خلق الله آدم وتكونت الشعوب والْمجتمعات، وتوالت على هذه الْجموع البشرية حضارات مُختلفة، تنافست في عَرض ما لديها لهذا الإنسان، عَبر رحلته الطويلة من لَدُن آدم عليه السلام حَتَّى يومنا هَذا، قال الله تعالَى:*يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير*[الحجرات: 13]،
فظهرت الحضارة الإغريقية والفارسية والرومانية، وغيرها حضارات كثيرة قبلها وبعدها إلَى يومنا هذا، تنُافسُ بما لديها إغراء وإغواء لَهذا الإنسان، ولكن سريعا ما يتكشف زيفها وتنتهي، حيث لا تَملأُ فراغا، ولا يَجد فيها الناس أفراداً وجماعات إشباعا لما تَحتاجه الأجساد والأرواح، فالوهم كله فيما ادَّعَوهُ، وَدَعَوا إليه من سَعادَة مَزْعومَة مَا هيَ إلا كَسَراب بقيعة.
الإسْـلامُ أحْرَجَ الْحَضَـارَات
وَمَعَ بُزُوغ شَمْس الإسلام قَدَّمَ للبشرية لونا مختلفا في الاعتقاد والأخلاق، ونوعا جديدا يَرْقَى بالتَّعامُل الإنسانيًّ رُقيّا، جعل غيره عاجزا عن تَقديْم نَمط يفوق أو يقترب من النموذج الأمثل الذي قدمه محمد صلَّ الله عليه وسلم، بل جُعلَتْ المسافةُ طويلة، والبون شاسعا، بينه وبين أقرب نَموذج يُمثل الحضارة الإنسانية، وَأَُبقيَ بعيدا، وسيبقَى بعيدا، إلَى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لقوله تعالَى: *ولقد كرمنا بني آدم* [الإسراء:70]،
وهكذا حاصر الإسلام كل الحضارات في أوكارها، بل شَلَّهَا وَأَذَلَّها حَتَّى تَجمدَتْ من الصَّغَار في أماكنها، وانطلق الإسلام يستقبل الْجُموعَ البَشَريَّة، واستبشر الناس خيْراً ورحبوا به، وقال تعالَى مبينا ذلك: *ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا* [النصر: 2]،
واستبدلوا خيوط العنكبوت بعظيم البيوت. وفي ظل هذا الانطلاق شرقا وغربا ظهر الْحقد والعداء والحسد علَى العرب والمسلمين، وأخذت صُدورُهُمْ تغلي كَالقُدور علَى نيْرَانها، وذهبوا للكيد والمكر بهذه الأمة، وَمُحاولة غزوهم، والقضاء علَى سر تفوقهم، مُحاولين أن يركع الإسلام أو ينحني أمام الخرافات، والْمُعتقدات والديانات المنحرفة.
لن يركع الإسلام لأعدائه
أَيُّها المسلمون! لن يركع الإسلام لأعدائه، رَغم تعرضه للهجمات التتارية الشرسة، والصليبية الحاسدة، والصفوية الحاقدة، عبر تاريخه المضيء، حسدا وحقدا من عند أنفسهم، قال تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) [النساء: 89]،
وقال تعالَى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تَبَيَّنَ لَهُم الْحَقُّ) [البقرة: 109]،
وسينتشر هذا الدينُ الْحَقُّ، والإسلامُ الصحيح في الآفاق رغم كيد الأعداء والْمُخَالفيْن المنحرفين، قال تعالَى
والله متم نوره ولو كره الكافرون، هو الذي أرسل رسوله بالْهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) [الصف:7-9].
العز للإسلام الصحيح وأهله
والذل والصغار علَى مَن خالفه
لن ينحني الإسلام لأعدائه
من لحق بالإسلام واعتنقه كان له العز والسؤدد، ومن أعرض عنه أو سعَى في إيذاء أهله كان نصيبه الذل والصغار والدمار، وتصديق ذلك فيما جاء عن نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، فقد روى أحمد في مسنده (4/103) ما صح من حديث تَميم الداري قال: سَمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر".
وكان تَميم الدَّاريّ يقول: قد عرفت ذلك في أهل بَيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرا الذل والصغار والجزية. وأخرجه الحاكم في مستدركه (4/477) وصححه ووافقه الذهبي.
لن يركع الإسلام لأعدائه
أيها الْمُسلمون! لن يركع الإسلام لأعدائه، الذين حاربوه من الْخارج، وزرعوا المنحرفين في جَسَد الأُمَّة، يُحاربون الإسلام من داخله، ويقاتلون الأنام باسم الإسلام، ومازال هؤلاء وأمثالَهم يَحملون أحقادهم، وَيَبُثُّونَ سُمومَهُم السَّبَئيّةَ وَالْحَروريَّةَ.
لن يَخضع الإسلام لأعدائه
أيها المسلمون! إنَّكم تَرون مَا يَحدثُ للمُسلميْن، يتلقَّى الْمسلمون ضَرَبَات موجعة، الواحدة تلو الأخرى، تُسفكُ الدماءُ وَتُستباحُ الأَعراضُ في أنحاء وجهات متفرقة من هذا العالم، بهدف القَضَاء علَى الإسلام، ولكن أنّى لَهم ذلك، والله تعالَى يقول: (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) [التوبة: 32]،
وروى أحمد في مسنده (6/4)، وابن حبان في صحيحه (15/91،93) ما صح من حديث المقداد ابن الأسود يقول: سَمعتُ رسول الله صل الله عليه وسلم يقول:" لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلام، بعزّ عَزيز أَو ذل ذليل، إما يعزهم الله عز وجل فيجعلهم من أهلها أو يذلهم فيدينون لَها". وأخرجه الحاكم في مستدركه (4/476)وصححه، ووافقه الذهبًي.
هزيمة المسلمين لا تعني سقوط الإسلام
أَيُّهَا الْمسلمون! لقد هُزمَ الْمسلمونَ في غزوة أُحُد، تَحت لواء مُحمد صلَّ الله عليه وسلم، حاملَ رسالة الإسلام، سَيّد الأوَّليْنَ والآخرين، وحاصروه الأحزاب في المدينة، ولكن لم يهزم الإسلام، ولم يركع لأحد، وكانت لَهم الانتصارات بعد ذلك، حتَّى بلغ الإسلام ما بلغ. فلا نعتقد أن هزيمة المسلمين هنا أو هناك ستشهد نهاية الإسلام الصحيح، بل قد تكون بداية النور وطمس الظلمات، وكل ضربة للموحدين تزيده قوة علَى قوة، فينطلق من جديد ليعلن أن الإسلام لم ينكسر وأنه راية لا تركع للعبيد، من توقع سقوط الإسلام لم يقرأ التاريخ، بل هو جاهل بتاريخ الحضارات والأمم.
-
-
اللهم استودعك قلبى فلا تجعل به احدا غيرك واستودعك لا اله الا الله فلقنها لى عند موتى :::